الوليد بن المغيرة، فكر فقدر ثم ذهب إلى أن القرآن سحر يؤثر، وظن أن نسبة السحر إلى محمد كافية أن تصد الناس عنه، ولكن غيره من ذوي الرصانة النقدية ينظرون في القرآن كما نظر الوليد، وهم على عدائهم للدعوة المحمّدية، يتفقون مع الوليد على أن القرآن ليس شعرا أو رجزا أو قصيدا، ويزيدون فيخالفونه فيما زعم من السحر، لأنهم من بيئة تعرف السحر والكهانة حق المعرفة، ولا ترى فيما يصدع به محمد من الآيات مشابها لما يأتي به السحرة من الرقى والعزائم، فقرآنه بمنزلة معجزة من البيان لا يجوز لعاقل يحترم تفكيره أن ينسبه إلى رقى السحرة وعزائم الكهنة» اه.
ثالثا- معنى الإعجاز، أو الإعجاز الذي وقع به التحدّي:
هذا الإعجاز ما وجهه، وما حقيقته، وبم صار القرآن مباينا لكلام العرب؟
هل صار مباينا لهذا الكلام من وجه بياني صرف؟ أم بخصائص موضوعية تتصل بالأمور الغيبية والتشريعية الأخرى التي جاء بها القرآن الكريم، والتي لم يكن في وسع أحد- كائنا من كان- أن يأتي بها في بلد كمكة، وظرف كالظرف الذي وجد فيه محمد- عليه الصلاة والسلام-.
إن الدراسات النفسية التحليلية والاجتماعية كما قلنا في مبحث الوحي، اتفقتا على مصدر القرآن وعلى صحة النبوّة، وأن نسبة القرآن إلى الله تعالى ليس ادّعاء أو محض افتراء، ولكن هل في ذلك دليل على إعجاز القرآن الذي نحن بصدده؟
هذه النقطة الهامة- قبل الحديث عن أوجه الإعجاز البيانية، والإعجاز الموضوعي- كما يسمى تجوّزا- قد جلّاها تجلية رائعة الأستاذ الكبير محمود شاكر، فذكر هنا حقيقتين هامتين يحسن نقلهما هنا بقلمه قبل الخوض في هذا الموضوع وبيان آراء العلماء فيه: