كمعجزات إخوانه من الأنبياء مما آمن على مثله البشر. وقد بيّن الله في غير آية من كتابه أن سماع القرآن يقتضيهم إدراك مباينته لكلامهم وأنه ليس من كلام البشر، بل
هو كلام رب العالمين، وبهذا جاء الأمر في قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) [سورة التوبة، الآية ٦].
فالقرآن المعجز هو البرهان القاطع على صحة النبوة، أما صحة النبوة فليست برهانا على إعجاز القرآن، والخلط بين هاتين الحقيقتين، وإهمال الفصل بينهما في التطبيق والنظر، وفي دراسة «إعجاز القرآن» قد أفضى إلى تخليط شديد في الدراسة قديما وحديثا، بل أدى هذا الخلط إلى تأخر «علم إعجاز القرآن» و «علم البلاغة» عن الغاية التي كان ينبغي أن ينتهيا إليها (١).
يتبين من خلال هاتين الملاحظتين، ومن خلال الموقف الذي عرضناه في السابق- موقف العرب من القرآن- ومن خلال مطالبة النبيّ ﷺ لعشيرته وقومه أن يؤمنوا بدعوته ورسالته ويقرّوا له بصدق نبوّته بدليل واحد هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه، يتبين من كل هذا: المعنى المراد بإعجاز القرآن.
وهو أن القرآن يحمل في بيانه الدليل الكافي على أنه ليس من كلام البشر إذ لا معنى للمطالبة بالإقرار بمجرد التلاوة، إلا أن هذا المقروء عليهم كان هو في نفسه آية فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، ولا من كلام بشر مثله.
ثم لا معنى لهذه المطالبة البتة إلّا أن يكون في طاقة هؤلاء السامعين أن يميزوا تمييزا واضحا بين الكلام الذي هو من نحو كلام البشر، والكلام الذي ليس من نحو كلامهم، كما يقول الأستاذ شاكر. والله تعالى أعلم.