أولا- فكرة الصرفة:
ذهب أبو إسحاق النظام- وكان من رءوس المتكلمين على مذهب المعتزلة أو على نهجهم وطرائقهم في التفكير- إلى القول بأن إعجاز القرآن كان بالصرفة، أي إن الله سبحانه قد صرف بلغاء العرب عن معارضة القرآن، مع قدرتهم على تلك المعارضة، أو: إنه صرفهم وكان ذلك مقدورا لهم!! كما عبّر عن ذلك بعضهم:
قال النظّام: «إن الله تعالى ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلال والحرام، والعرب إنما لم يعارضوه لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك، وسلب علومهم به».
وينطوي هذا القول- الذي تكفل المعتزلة أنفسهم بنقضه على صاحبه، كما رأينا عند القاضي عبد الجبار وغيره (١) - على أمرين: الأول: التخليط بين النقطتين السابقتين اللتين سبقت تجليتهما، فالمعجزة هنا تكمن في إثبات الله تعالى أن هذا القرآن من كلامه. بدليل أنه صرفهم عن معارضته في وقت كان ذلك مقدورا لهم! أي إن المعجز هو المنع أو المانع!!
الأمر الثاني: أن هذا الرأي ليس من باب الطعن على الكتاب الكريم، أو من باب الإلحاد فيه والزيغ عنه، لأن هذا الرأي قد يكون آكد في باب الإيمان والتسليم (٢) بأن القرآن كلام الله... ولكنه من باب العجمة وشبهها في ميدان تذوق البلاغة والبيان، أو من باب التفلسف الذي يريد صاحبه إراحة نفسه من عناء البحث، وإجالة الفكر. ولهذا فإن أحدا من علماء البلاغة لم يتابع النظام، وكان أول من خالفه في ذلك تلميذه الجاحظ، وإنما تابعه بعض من أخذ من الفلسفة وعلم الكلام بسبب!
قال الإمام الباقلاني: «على أن ذلك لو لم يكن معجزا على ما وصفناه من
(٢) أي: لولا ما ينطوي عليه من الفساد في ذاته.