الموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم) وقال في معنى الآية الثانية- ٤٤ - (أن القرآن شرف للنبيّ ولقومه من حيث إنه نزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه) (١).
قلت: إن الله تعالى لم ينوع بين الأمم والشعوب، ولم يميز بعضها عن بعض بميزات عقلية أو أدبية أو عملية إلا لتكمل البشرية بعضها بعضا لا ليفخر بعضها بذلك على بعض، لأن الفخر بمثل هذه الأمور الفطرية التي لا حيلة للإنسان في كسبها أو دفعها- كاللون أو الجنس- لا يعدو أن يكون طورا من أطوار الطفولة أو المراهقة، أو مرحلة من المراحل السابقة للرشد الإنساني! ولقد كان يجب على الإنسانية أن تتجاوز تلك المراحل من حين نزل قول الله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا [الحجرات: ١٣] لأن هذه الآية الكريمة تشير بعد ذلك إلى ميزان التفاضل الحقيقي، وأنه ينبع من الأعمال الكسبية، ومن الإرادة الحرة، والعزيمة النافذة، فيقول تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقاكُمْ
[الحجرات: ١٣].
أي إن ميزان التفاضل لا ينبع من تلك الخصائص التي امتاز بها شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، لأن ذلك التفاضل أريد به التأكيد على وحدة المجتمع الإنساني وتعارفه، لا تناكره واختلافه!... كما أن لكل فضيلة ضريبتها أو تبعاتها وتكاليفها الخاصة بها، أو التي تتناسب مع حجمها وطبيعتها! قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
«أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» (٢).
ونحن لا نشك في أن خلاصة الفضائل الإنسانية، أو مكارم الأخلاق التي جاء بها القرآن الكريم بوصفه كتاب الإنسانية الأخير الذي نزل به الوحي الأمين...
(١) تفسير ابن كثير، الجزء الرابع، ص ١٢٨، دار المعرفة، لبنان.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. وابن ماجة والحاكم- وقال: على شرط مسلم- بزيادة: «لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر... » إلخ الحديث بعد قوله: «ثم الصالحون». فيض القدير للمناوي: ١/ ٥١٩ - ٥٢٠.


الصفحة التالية
Icon