(أ) من المعاني الذهنية، التي أخرجت في صورة حسية قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) [سورة الأعراف، الآية ٤٠]. والمعنى الذهني الذي تقرره الآية هو أن الكفار لن ينالوا القبول عند الله، وأنه يستحيل عليهم دخول الجنة! ولكن هذا المعنى المجرد يعرض بهذا الأسلوب التصويري... فيدعك «ترسم بخيالك» صورة لتفتح أبواب السماء، وصورة أخرى لولوج الحبل الغليظ في سمّ الخياط، ويختار من أسماء الحبل الغليظ اسم «الجمل» خاصة في هذا المقام، ويدع للحسّ أن يتأثر عن طريق الخيال بالصورتين ما شاء له التأثر، ليستقر في النهاية معنى القبول ومعنى الاستحالة في أعماق النفس» (١).
(ب) وتأمّل هذا الشاهد في تصوير الحالات النفسية والمعنوية: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) [سورة الأنعام، الآية ٧١].
حيث «تبرز صورة هذا المخلوق التعيس الذي استهوته الشياطين في الأرض- ولفظ الاستهواء لفظ مصوّر لمدلوله- ويا ليته يتبع هذا الاستهواء في اتجاهه، فيكون راحة ذي القصد الموحد، ولو في طريق الضلال! ولكن هناك من الجانب الآخر إخوان له يدعونه إلى الهدى، وينادونه: «ائتنا» وهو بين هذا الاستهواء وهذا الدعاء «حيران» موزع القلب، لا يدري أي الفريقين يجيب، ولا أي الطريقين يسلك، فهو قائم هناك شاخص متلفّت» (٢).

(١) التصوير الفني ص ٣٢.
(٢) المصدر السابق ص ٣٨.


الصفحة التالية
Icon