لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) [سورة الواقعة، الآيات ٤١ - ٤٦].
فالسّموم والحميم، والظل الذي ليس له من الظل إلا اسمه لأنه «من يحموم» «لا بارد ولا كريم»... صورة هذا الشظف تقابل صورة الترف: «إنهم كانوا قبل ذلك مترفين»!
يقول سيد قطب- رحمه الله- بعد ذلك في التعقيب على هذه الآية- وهو تعقيب جدير بالتدبّر والتأمّل... والإفادة منه في فهم نصوص وصور قرآنية أخرى كثيرة في كتاب الله عزّ وجلّ- يقول: «وهنا موضع تأمل لطيف في هذا التصوير وفيما يماثله: فهؤلاء المتحدّث عنهم يعيشون في الدنيا الحاضرة، وصورة الترف هي الصورة القريبة، أما ما ينتظرهم من السموم والحميم والشظف فهو الصورة البعيدة. ولكن التصوير هنا لفرط حيويته يخيل للقارئ أن الدنيا طويت، وأنهم الآن هناك، وأن صورة الترف قد طويت كذلك، وصورة الشظف قد عرضت.
وأنهم يذكّرون في وسط السموم والحميم بأنهم «كانوا قبل ذلك مترفين»!...
وذلك من قوة الإحياء حتى لينسى المشاهد أن هذا مثل يضرب، ويحسّ بأنه حاضر يشهد!» (١).
(ب) وهنالك تناسق بين أجزاء الصورة القرآنية المعروضة، من حيث ما يسمّى بوحدة الرسم، أي عدم التنافر بين جزئيات الصورة، ثم توزيع تلك الأجزاء على الرقعة بنسب معيّنة يزحم بعضها بعضا، ولا يطغى في ذلك بعضها على بعض، ويأتي أخيرا دور اللون الذي ترسم به، والتدرج في الظلال بما يحقق الجو العام المتسق مع الفكرة والموضوع (٢).
(٢) راجع للتوسع في هذا اللون كتاب التصوير الفني ص ٩٠ فما بعدها.