موضعها، من الدراسة العميقة- والمتكلفة في بعض الأحيان- التي قدّمها الرافعي في كتابه الذي خصّه بالحديث عن القرآن والبلاغة النبوية.
وهي الدراسة التي سنعرض لفكرتها الرئيسة من خلال هذا المظهر الأخير، أو النظرية التي نعرض لها الآن في مسألة إعجاز القرآن، وهي: النظم الموسيقى، أو إعجاز النظم الموسيقى، كما دعاه الرافعي نفسه.
رابعا- النظم الموسيقى:
انطلق الرافعي في حديثه عن الإعجاز من الحروف وأصواتها، ثم من الحركة الصرفية واللغوية للألفاظ القرآنية المشتملة على تلك الحروف.. حتى ليمكن القول: إن عماد
حديثه عن إعجاز النظم الموسيقى يعتمد بالدرجة الأولى على الألفاظ، وعلى الجانب الصوتي منها على وجه الخصوص.. يقول الرافعي- بعد تمهيد كاشف-: «وحسبك بهذا اعتبارا في إعجاز النظم الموسيقى في القرآن، وأنه مما لا يتعلق به أحد، ولا يتفق على ذلك الوجه الذي هو فيه إلا فيه؛ لترتيب حروفه باعتبار من أصواتها ومخارجها، ومناسبة بعض ذلك لبعضه مناسبة طبيعية في الهمس والجهر، والشدة والرخاوة، والتفخيم والترقيق، والتفشي والتكرار... » (١).
ويقول بعد ذلك: «ولو تدبرت ألفاظ القرآن في نظمها لرأيت حركتها الصرفية واللغوية تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها فيما هي له من أمر الفصاحة، فيهيّئ بعضها لبعض، ويساند بعضها بعضا، ولن تجدها إلا مؤلفة مع أصوات الحروف، مساوقة لها في النظم الموسيقى، حتى إن الحركة ربما كانت ثقيلة لسبب من أسباب الثقل أيها كان، فلا تعذب ولا تساغ، وربما كانت أوكس النصيبين في حظ الكلام من الحرف والحركة، فإذا هي استعملت في القرآن رأيت