ورأى فيها- في ضوء ما قدّمه الرافعي كذلك فيما يبدو- لونا من ألوان الإعجاز سمّاه: «الإعجاز في نغم القرآن» وقال فيه:
«إن هذا القرآن- في كل سورة منه وآية، وفي كل مقطع منه وفقرة، وفي كل مشهد منه وقصة، وفي كل مطلع منه وختام- يمتاز بأسلوب إيقاعي غني بالموسيقى مملوء نغما، حتى ليكون من الخطأ الشديد في هذا الباب أن نفاضل فيه بين سورة وأخرى، أو نوازن بين مقطع ومقطع، لكننا حين نومئ إلى تفرد سورة منه بنسق خاص إنما نقرر ظاهرة أسلوبية بارزة نؤيدها بالدليل، وندعمها بالشاهد؛ مؤكدين أن القرآن نسيج واحد في بلاغته وسحر بيانه، إلا أنه متنوع تنوع موسيقى الوجود في أنغامه وألحانه» (١)!
وقد لاحظ الدكتور الصالح أن هذه الموسيقى الداخلية تنبعث في القرآن حتى من اللفظة الواحدة، فضلا عن الآية التي تتناسق في جوها الكلمات، أو في السورة التي تنسجم حول فكرتها جميع الآيات.
فاللفظة المفردة «تكاد تستقل- بجرسها ونغمها- بتصوير لوحة كاملة فيها اللون زاهيا أو شاحبا، وفيها الظل شفيفا أو كثيفا... فحين تتسمع همس السين المكررة تكاد تستشف نعومة ظلها، مثلما تستريح إلى خفة وقعها في قوله تعالى:
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) [سورة التكوير، الآيات ١٥ - ١٨]. بينما تقع الرهبة في صدرك وأنت تسمع لاهثا مكروبا صوت الدال المنذرة المتوعدة، مسبوقة بالياء المشبعة المديدة في لفظة «تحيد» بدلا من تنحرف أو تبتعد في قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) [سورة ق، الآية ١٩].
وتقرأ قوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [سورة آل