فإذا أثبتنا في هذه الصفحات، أو ثبت لنا أن الفاصلة القرآنية لم تقم- كالسجع وغيره كذلك- على اعتبارات شكلية! بل على العكس من ذلك...
حيث أسهمت في إحكام المبنى والمعنى جميعا، بل أسهمت في تفسير معنى «الإحكام» الذي وصف الله تعالى به كتابه الكريم في قوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) [سورة هود، الآية ١].
إذا أثبتنا ذلك علمنا مدى أهمية الحديث عن الفاصلة والسجع، ومدى صلتهما بقضية الإعجاز الكبرى.
أولا- تعريف الفاصلة:
قال الزركشي: «هي كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع» وقال الداني: «هي كلمة آخر الجملة» (١). والفرق بين التعريفين أن الأول ربط الفاصلة برءوس الآي، بينما ربطها الثاني بنهاية الجملة ولو لم تكن رأس آية. ولعل هذا هو ما قصد إلى بيانه أبو عمرو الداني حين فرّق بين الفواصل ورءوس الآي، فقال في الفاصلة: هي الكلام المنفصل من بعده. «والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس، وكذلك الفواصل يكنّ رءوس آي وغيرها. وكلّ رأس آية فاصلة، وليس كلّ فاصلة رأس آية؛ فالفاصلة تعمّ النوعين، وتجمع الضربين».
وعلى الرغم من هذا التفريق الواضح الذي ذهب إليه الإمام الداني؛ فإن من الملاحظ أن الذي يجري عليه معظم الدارسين والمدرّسين عند شرح النصوص القرآنية يقوم على تعريف الفاصلة بأنها الكلمة التي تختم بها الآية من القرآن. وهذا القدر على كل حال يجب ألا يكون فيه خلاف؛ وبخاصة إذا رجّحنا أن الفاصلة مأخوذة- كما يرى كثير من العلماء- من قوله تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) [سورة فصلت، الآية ٣].

(١) البرهان ١/ ٥٣ تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله.


الصفحة التالية
Icon