الآخر بحديثه من حيث الظاهر ولكنه معرض عنه من الداخل أو من الناحية النفسية الشعورية لأي سبب من الأسباب.
أقول: العبوس لم يره الأعمى، والتولّي قد لا يراه البصير، ثم كانت المقابلة الهائلة والتلخيص الدقيق بكلمتين اثنتين: عبس وتولى. ولا داعي للإشارة بعد ذلك إلى أن تقديم «عبس» على «تولّى» أو تأخير الثانية عن الأولى، هو الأصل من حيث ترتيب المعاني من حيث الظهور والخفاء.. وأنه هو الذي أسهم كذلك في بناء الفواصل على النسق الذي رأيت...
يضاف إلى ذلك أن الذي هيأ ومكّن لهذه الفاصلة التي رأيت هو مجيء الآيتين الأولى والثانية بصيغة الغائب، أو الشخص الثالث كما يقال: عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) ولم يقل الله سبحانه وتعالى: «عبست وتوليت»! ولو حصل ذلك لكان مفسدا لأمر الفاصلة والنظم الموسيقى؛ ولكان فيه كذلك إيحاش لقلب النبيّ الكريم حين يفاجأ بصيغة الخطاب تلك.. أو لكانت نبرة العتاب أقسى من أن يخاطب بها الله سبحانه نبيّه الكريم أو يبتدئه بها- عليه الصلاة والسلام-...
وهذا كما هو واضح: من حيث المعنى، أو من حيث أدق المعاني النفسية والشعورية... ولولا أن الكلام في الآيات الكريمة استوى إلى وضعه الأصلي- الخطاب- في الآية الثالثة: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) لما علمنا ابتداء أن الآيات نزلت في شأن النبيّ الكريم- عليه صلوات الله وسلامه- مع بعض الصحابة في واقعة بعينها.
ونشير أخيرا إلى أن الفاصلة في الآية الثانية، وهي كلمة «الأعمى» جاءت بوصف الصحابي دون اسمه؛ كأنها تومئ أو تشير إلى سبب الإعراض عنه، أو تحمل في مدلولها العام والقريب إشارة إلى أن هذه العاهة يجب ألا تحمل أحدا إلى يوم الدين أن يعرض عن أعمى في أي موقف قريب أو مماثل! وفي هذا إخراج للنص القرآني من أن تراد به حالة «تاريخية» خاصة.. وقد فهم منها بعض


الصفحة التالية
Icon