فيها هذه الفاصلة... وقد حاولنا ذلك في بعض المواطن القرآنية... والذي يمكن قوله في الشاهد السابق- على سبيل المثال- أن هذا التكرار جاء في معرض الرد على هذه الدعوى الكاذبة، فناسبها أن تردّ هي عينها... وبحروفها، دون أدنى زيادة أو نقصان، إلى جانب ما تحمله من دلالة أخرى واضحة كذلك، وهي التي مهّد لها بقوله: «وما ينبغي» وهي أن مقام الألوهية أعلى من أن ينفعل لمثل هذه الفرية الكاذبة، وهذا التطاول الأرعن... فلم تزد الآية الكريمة على أن ردّت عليهم قولهم- كما هو- بقوله تعالى: وَما يَنْبَغِي... وهذا هو طابع الكبرياء والعظمة الذي يطالعه القارئ لكتاب الله، يتراءى له أو يقف عليه في هذا السياق القرآني، جليا دقيقا، من خلال هذا التكرار للفاصلة القرآنية!
وأخيرا: تحسن الإشارة هنا إلى مجيء بعض الفواصل المفردة، وبخاصة في نهاية بعض السور القرآنية، وإن كانت قد وردت كذلك في ثنايا بعض السور- وكل هذا مما يجعلها مغايرة للسجع والشعر-.
وحينما تنتهي السورة بفاصلة منفردة تكون لها كالمقطع- أو اللحن- الأخير. ويمكن لنا هنا أن نتذكر ما قدمناه، في الطرف المقابل، من الدلالة الفنية- أو الموسيقية- والدور الاستهلالي لفواتح السور. قال تعالى في ختام سورة الضحى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) [سورة الضحى، الآيات ٩ - ١١].
وقال تعالى في ختام سورة العلق: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩) [سورة العلق، الآيات ١٥ - ١٩].
ولهذه الفواصل كذلك دلالات أخرى لا مجال للإفاضة فيها، ولمن شاء أن يطلبها في سياق الآيات كما هو معلوم. ونقول مثل ذلك في الفواصل المفردة التي توسطت بعض السور- راجع سورة عبس، وسورتي البلد والانشقاق- والتي تشير