تعود على (الناس) من الخمر والميسر، والتي أشارت إليها الآية الكريمة، قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ...
[البقرة: ٢١٩].
وقد سمّى العلّامة الهندي عبد الحميد الفراهي- الملقّب بالمعلّم- أوضاع العرب الفاسدة التي كانوا عليها في الجاهلية «سيئات»، وذهب في تعليل دوافعها النبيلة، ومقاصدها الأخلاقية الحسنة، إلى حد القول: إن هذه السيئات نبعت من الخيرات، قال رحمه الله:
«فإن العرب على علّاتها كانت على سذاجة الفطرة، وحب المعالي؛ من الجود وصلة الرحم، والغيرة، والشكر، لا سيما شرفاؤهم وخيارهم، حتى إن سيئاتهم نبعت من الخيرات، فمعاقرتهم للخمر ومقامرتهم للميسر، جاءت من الجود. وحروبهم: من أداء حق المقتول. والغضب: للقسط. وظلمهم: من إباء النفس عن الدنيّة، ولذلك رحموا الضعفاء والأرامل، ولم يقتلوا في الحروب الإماء ولا الأطفال، ولم يرهقوا المنهزمين. وإنما بقوا على الفقر وسوء العيش: لإبائهم عن الطاعة لملك يجمع أمرهم، إلا من لا يتكبر عليهم، ويعدل بينهم، ويكون كأحدهم؛ كما كان الشيخان- في الإسلام- وذوو أمرهم في الجاهلية. فأملكهم وأقهرهم: أعدلهم! كما كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فلم يرد إلّا أن يقهرهم بكمال عدله» (١).
وقبل أن نختم هذه الفقرة، نشير إلى ما قاله النبيّ الكريم نفسه- صلوات الله وسلامه عليه- في أخلاق العرب في الجاهلية.. فقد جاء في حديث مطوّل أن رسول الله ﷺ ومعه أبو بكر وعلي، مرّ حين كان يعرض نفسه على القبائل في