وغني عن البيان أن الصحابة- الذين عاصروا التنزيل وشاهدوه- كانوا أقدر الناس على فهم القرآن على الرغم من قلة ما روي عنهم في التفسير، الذي اختلفوا فيه اختلاف تنوّع لا اختلاف تضادّ، كما شرحه ابن تيمية في رسالته «مقدمة في أصول التفسير» (١).
ويعود السبب في هذا الاختلاف إلى تفاوت حظهم من المعرفة بالأدب الجاهلي وغريبه، وإلى تفاوتهم في ملازمة النبيّ ﷺ والوقوف على أسباب نزول الآيات. بالإضافة إلى اختلافهم في معرفة عادات العرب في أفعالهم وأقوالهم، ونحو ذلك من الأسباب.
والمهم هنا أن المؤرخين للتفسير والمشتغلين بعلوم القرآن اصطلحوا على تسمية تفسير القرآن بالقرآن، والتفسير المرفوع إلى النبيّ، والمنقول عن الصحابة ب «التفسير المأثور» فقد قالوا في تعريفه «هو ما جاء في القرآن والسنّة وكلام الصحابة بيانا لمراد الله تعالى من كتابه».
أما تفسير القرآن بالقرآن فهو من أولى خطوات المنهج السليم في تفسير القرآن كما سنشير إلى ذلك في صفحة قادمة، وإن كانت تسميته تفسيرا «بالمأثور» فيها نظر. أما المرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم- الذي أنيطت به مهمة البيان عملا بقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [سورة النحل، الآية ٤٤]- فهو لبّ التفسير بالمأثور، وإن كان مقداره ليس كبيرا إلى جانب التفسير الاجتهادي. أما المنقول عن الصحابة فهو عندنا تفسير «بالمأثور» إن كان فيما لا مجال فيه للرأي- كسبب النزول ونحوه- وإلا فهو داخل في حدود «الاجتهاد» في تفسير القرآن، بحسب المعرفة باللغة وبشروط التفسير الأخرى؛ لأن المصدر