وغني عن البيان أن سبب النزول كان موضع عناية المشتغلين بالتفسير المأثور، بوصفه واقعة تاريخية أو أمرا وقع في عصر التنزيل، وأن سبيل معرفته- لذلك- تتوقف على الرواية والنقل الصحيح. بل كان كذلك موضع عناية المشتغلين بالتفسير بالرأي إلى حد كبير «لأنه طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز». كما قال أبو القاسم القشيري (١). والواقع أنه لا بد من العناية به والوقوف عنده في جميع الأحوال؛ وبخاصة إذا كان مرويا في كتب السنّة التي تلقّتها الأمة بالقبول.
ولكن يجري عليه التأكيد هنا في التفسير البياني- ونحن أمام كلام معجز- لأن الوقوف عليه أولى من معرفة المناسبة التي قيلت فيها القصيدة من الشعر، أو النص النثري البليغ من كلام العرب، ومعلوم أن الجهل بهذه المناسبة يفوّت علينا الكثير من أغراض النص وآفاقه ومراميه. بل يمكن القول: إن سبب النزول يقوم مقام معرفة المناسبة وحال المتكلم والمخاطب- في دراسة النصوص الأدبية الأخرى- بل لعلّه يغني كذلك عن دراسة البيئة ونحو ذلك من العوامل المساعدة في شرح هذه النصوص وتحليلها.
٢ - أن يهتدي الدارس بمألوف استعمال القرآن نفسه للألفاظ والأساليب، ولا يتم ذلك إلا بتعاهد نصوصه المكية والمدنية، والوقوف- مهما أمكن- على المعاني التي تدور عليها اللفظة الواحدة في استعمالاتها المختلفة، كما يتضح ذلك في ألفاظ «الهداية» و «الضلال» وبعض الألفاظ الأخرى على سبيل المثال (٢).
(٢) راجع على سبيل المثال شروح القاضي عبد الجبار لهاتين اللفظتين في كتابه «متشابه القرآن» الذي نشرناه في القاهرة عام ١٩٦٩، دار التراث.