٤ - وأخيرا، فإن الوقوف على القيم والمبادئ التي نزل بها القرآن، ومعرفة طرف من قيمتها الحقيقية، تحتم على الدارس أن يكون ملما بالحالة التي كان عليها العرب في الجاهلية وفي عصر التنزيل- مع الإلمام بأحوال الجاهليات الأخرى كذلك- حتى يدرك معنى الجديد، الإنساني والعالمي، الذي جاء به القرآن، ومدى الأثر و «التأثير» الذي أحدثه في النفس العربية... وفي العالم! وليقف على البعد الاجتماعي لهذا الكتاب الخالد!... وقد روي عن عمر بن الخطاب في ذلك كله كلمة بعيدة الدلالة حين قال: «إن جهل الناس بأحوال الجاهلية هو الذي يخشى أن ينقض عرى الإسلام عروة عروة!» لأن من جهل تلك الأحوال يجهل معاني القرآن ويجهل أثره... ويجهل جديده الذي جعله الله مغيرا لأحوال الناس... هذا، وإن ميزة الوقوف على أحوال الجاهلية العربية أوضح بطبيعة الحال من أجل فهم اللغة العربية ومدلولاتها.
ونؤكد أخيرا، أو مرة ثانية، على القول: إن سبيل التفسير- أيا كان لونه- لا يتم بدون معرفة رسالة القرآن الأساسية ووجهه الأول، وهو أنه «كتاب هداية وتشريع، ودستور جامع للحياة الإنسانية المثلى» على ما احتوى عليه من حقائق كثيرة وإشارات متنوعة عن النفس والطبيعة والسنن الكونية والحضارة والتاريخ والاجتماع؛ لأن هذه الحقائق وتلك الإشارات إنما جاءت في معرض الدلالة والعظة والتفكر والاعتبار، ويجب أن تفهم و «تفسر» في ظل الرسالة السابقة والوجه الأول، بحيث ننزّه النص القرآني عن «الفروض» العلمية، والآراء «النظرية»! ونخرجه عن أن يصبح كتابا في «تاريخ العلم» أو تاريخ الأحياء...
على نحو ما فعل بعض «المفسرين» في أسوأ حالات «الجزر النفسي» الذي عانت منه الأمة الإسلامية في وقت ليس ببعيد! (١).
إن الإشارات العلمية التي وردت في القرآن الكريم- في أبواب العلم