الأقدمين لإسرافهم في علم الفقه والتوحيد، وتقصيرهم في علوم الكون والطبيعة- حتى وقعوا فيما وقعوا فيه من أخطاء في تفسير آيات القرآن الكريم- ولكنه أخطأ أو أسرف في ظنه أن الطريق إلى هذه العلوم هو تفسير المفردات والجمل والتراكيب. أو نقل ما اكتشفه الأوروبيون في هذا الباب، وحشو كتب التفسير فيه، لأدنى مناسبة، أو لمجرد أن آية من آيات الكتاب العزيز جاء فيها ذكر السماء والأرض، أو أشارت إلى نبات أو حيوان!
لقد أخلّ المفسّر المشهور الشيخ طنطاوي جوهري- رحمه الله- في كتابه الجواهر- وهو المقصود بهذا الإسراف في الاعتبار الأول- برتابة كتب التفسير التي عرفها عصره، أو انحدرت إليه،... وهذا مما يحمد له، ولكنه أخطأ طريقه إلى التقدم العلمي، حين وقف عند حدود النقل، أو حين ظن أن هذا التقدم يتحقق بحشو كتب التفسير بهذه النقول، وبطريقة إجراء المطابقة بين كشوف القوم العلمية وآيات القرآن الكريم، وبغض النظر عن التعسف في إجراء هذه المطابقة في معظم الأحيان. لقد وصف الشيخ الطنطاوي جوهري كتابه بأنه يشتمل «على عجائب بدائع المكونات، وغرائب الآيات الباهرات»! وقال فيه أيضا: «بهذا الكتاب وأمثاله سيستيقظ المسلمون سريعا، وسيجيء جيل لم تشهد الأرض مثله... أيها المسلمون هذا هو علم التوحيد في الحقل والجبل والزرع والشجر والثمر والشمس والقمر، لا في الكتب المصنّفة المشهورة، هي والله مبعدة عن حكمة الله، ومبعدة عن معرفة آياته» (١)!!
لقد أبعد الشيخ- رحمه الله- النجعة، ولم يتحقق له ما أمّل أو أراد!
٣ - ويقرب من هذا السبب، أو يكمله ويتممه، أن المسلمين وجدوا في هذا اللون المعاصر من ألوان التفسير تأكيدا لإعجاز القرآن، أو بابا جديدا من

(١) تفسير الجواهر ١/ ٦٦، طبع مصر ١٣٥٢ هـ.


الصفحة التالية
Icon