فإن معظم أقسام العراق والشام، وجميع أنحاء إفريقية الشمالية- من مصر والسودان إلى المغرب الأقصى- كانت غير عربية، ولم تستعرب إلا بعد الإسلام».
وليس معنى ذلك أن العرب بقوا منطوين على أنفسهم في جزيرتهم على كرّ الأزمان، بل إنهم كانوا ينزحون من الجزيرة إلى تلك البلاد المجاورة، إلا أن قبائلهم التي نزحت قبل حمل رسالة القرآن «كانت تفقد صلاتها مع موطنها الأصلي، وتتعرض إلى سلسلة من الأحداث والتطورات التي تنسيها ماضيها، وتؤدي إلى اندماجها بسكان البلاد التي تستوطنها». ويضيف ساطع الحصري- صاحب الاتجاه العلماني المعروف- قائلا: «ولكن الموجة البشرية التي تدفقت من الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام، (قلت: أو التي رفعت راية الإسلام، ومشت في ركاب الفتح الإسلامي، للهداية والتحرير) قد امتازت عن سابقاتها من هذه الوجوه امتيازا هاما جدا، إنها لم تفقد صلتها بمنبعها الأصلي، بل ظلت وثيقة الاتصال به من الوجهتين المادية والمعنوية، وفضلا عن ذلك: استطاعت أن تنشر لغتها في مواطنها الجديدة، وانتهت إلى تعريب سكان أقطار واسعة من البلاد المفتوحة تعريبا تاما» (١).
هذا هو دور القوة الدافعة الذي تم بفضل القرآن الكريم، والذي يمكن تلخيصه بنشر اللغة العربية وتوسيع آفاقها.
يضاف إلى ذلك أن القرآن الكريم ترك أثرا واضحا في لغات الشعوب الإسلامية التي آمنت بالقرآن، ولكن لم يكتب لها أن يتعرب لسانها، كالفارسية والتركية. وأثرا آخر أكثر وضوحا في اللغات التي شاركت لغة القرآن في صنعها بين