تلقي في السياق ظل الليلات ذات الشخصية الخاصة. وكأنها خلائق حية معينة ذوات أرواح، تعاطفنا ونعاطفها من خلال التعبير القرآني الرفاف!
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب، جو الفجر والليالي العشر... «ومن الصلاة الشفع والوتر» - كما جاء في حديث أخرجه الترمذي- وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة، بروح الوجود الساجية! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة. وروح الفجر الوضيئة.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ... والليل هنا مخلوق حي، يسري في الكون، وكأنه ساهر يجول في الظلام! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة! يا لإناقة التعبير! ويا لأنس المشهد! ويا لجمال النغم! ويا للتناسق مع الفجر، والليالي العشر، والشفع والوتر! إنها ليست ألفاظا وعبارات، إنما هي أنسام من أنسام الفجر، وأنداء مشعّة بالعطر! أم إنه النجاء الأليف للقلب؟ والهمس اللطيف للروح؟
واللمس الموحي للضمير؟ إنه الجمال.. الجمال الحبيب الهامس اللطيف..
الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية اللطيفة. لأنه الجمال الإبداعي، المعبّر في الوقت ذاته عن حقيقة. ومن ثم يعقب عليه في النهاية: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ؟ وهو سؤال للتقرير. إن في ذلك قسما لذي لبّ وعقل، إن في ذلك مقنعا لمن له إدراك وفكر. ولكن صيغة الاستفهام- مع إفادتها التقرير- أرق حاشية، فهي تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق!
أما المقسم عليه بذلك القسم، فقد طواه السياق ليفسره ما بعده، فهو موضوع الطغيان والفساد، وأخذ ربك لأهل الطغيان والفساد، فهو حق واقع يقسم عليه بذلك القسم في تلميح يناسب لمسات السورة الخفيفة على وجه الإجمال.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ؟ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ؟ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي


الصفحة التالية
Icon