الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ؟ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ.
وصيغة الاستفهام في مثل هذا السياق أشد إثارة لليقظة والالتفات.
والخطاب للنبيّ ﷺ ابتداء، ثم هو لكل من تتأتى منه الرؤية أو التبصر في مصارع أولئك الأقوام، وكلها مما كان المخاطبون بالقرآن أول مرة يعرفونه، ومما تشهد به الآثار والقصص الباقية في الأجيال المتعاقبة. وإضافة الفعل إلى «ربك» فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة. وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة وعسف الجبارين من المشركين، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد. وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم. مصرع: «عاد إرم» وهي عاد الأولى. وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن. وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد. وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ في ذلك الأوان وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ.. وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام. وقد قطعت الصخر وشيّدته قصورا، كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات.
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ.. وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان. وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار.
هؤلاء هم الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ.. وليس وراء الطغيان إلا الفساد، فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء، كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة، ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف المعمر الباني إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال.


الصفحة التالية
Icon