تجاور غيرها من الأمم، كلغة لخم وجذام وقضاعة وغسان، ولم يخالفهم في شرطهم هذا إلا أبو عبد الله بن مالك، فنقل في كتبه لغة لخم وقضاعة وغيرهم ممن يسكن أطراف الحجاز.
ثانيهما: أن العرب كانوا يفدون عليهم في موسم الحج ويقيمون عندهم قريبا من خمسين يوما، فيتخيرون من لغات أولئك الوفود ما تعادلت حروفه وخف وقعه على الأسماع، ويرفضون كل ما يثقل على الذوق ولا يجد في السمع مساغا (١).
فإذا ذكرنا الجامعة التي أقامها القرآن للعرب، وتوحيدهم الذي تم على يديه، ذكرنا فضله في الذهاب بالجانب الأعظم من تناكر اللغات واختلاف اللهجات، وهم يقرءونه
بلغة قريش في الاعتبار الأول.
٢ - أثر القرآن في ألفاظ العربية ومعانيها: أما التأثير الذي أحدثه القرآن في ألفاظ العربية ومعانيها فهو تأثير هائل، أو هو ثورة كبرى في الواقع. وهذا الموضوع جدير بأن يفرد ببحث جاد دقيق، وبحسبنا في هذا التقديم السريع أن نقول: إذا كانت اللغة صورة لحياة الأمة وبيئتها ومعارفها، ووعاء لأفكارها وثقافتها؛ فإن تأثير القرآن الكريم في كل ذلك بالنسبة للعرب كان هائلا... لقد تأثرت ألفاظ اللغة العربية تأثرا مباشرا من حيث تهذيبها وترقيق حواشيها- والقرآن ينقل العرب من حال إلى حال، من البداوة إلى الحضارة، ومن الجزيرة إلى الأمصار- ومن حيث هذا الحشد من الألفاظ المشتركة والاصطلاحية والألفاظ الإسلامية الجديدة.
أما الألفاظ الاصطلاحية فيراد بها تلك التي خرجت عن دلالتها الأولى إلى الدلالة عن معان جديدة- اصطلاحية- لم تكن معروفة وموجودة عند العرب، فقد اقتضى القرآن- فوق الحياة الجديدة ونظام الدولة وما يتصل بذلك- علوما

(١) دراسات في العربية وتاريخها ص ١٢٨ طبع دار الفتح بدمشق.


الصفحة التالية
Icon