قلت: هذا كلام قيم، وإن كان الأمر أبعد من مسألة الاصطلاحات والتعريفات، لأنه ينطلق من أن القرآن الكريم كان المحور الذي نشأت حوله جميع معارف العرب التي جدّت في حياتهم بعد الإسلام، حتى صح لنا ما أشرنا إليه في مناسبة سابقة من أن القرآن الكريم يشكل المصدر الأول للثقافة العربية الإسلامية- وملاذها الأخير- هذه الثقافة الغنية الواسعة التي اشتملت على علوم القرآن والحديث، والأدب واللغة والسيرة والفلسفة والفقه والأصول... والتي اتسعت لها لغة العرب بعد نزول القرآن الكريم.
ولعل هذا يختصر علينا طريق المتابعة في الأغراض والمعاني التي تركها القرآن في اللغة العربية؛ لأن الألفاظ في الواقع ليست أكثر من وعاء للمعاني والأغراض الجديدة، ولكن كما أثّر القرآن في معاني اللغة من حيث ما جاء به من اشتراع جديد، كان له أثر في ظهور معان جديدة. «فقد تناول أيضا معانيهم التي كانوا يتعاورونها بينهم فتصرّف فيها وهذّبها، وزاد بها أو نقص منها ووضعها مواضع تناسبها، بحيث أصبحت تلائم كل الأذواق في كل العصور، بعد أن كان فيها ما لا يسمح لها بالبقاء إلا في عصر جاهليّ له ذوق خاص».
هذا وقد تأثرت معاني اللغة العربية أيضا من خروجها الجديد إلى الممالك المتحضرة تنتزع منها معاني وأخيلة هي وليدة الحضارة وربيبة المدنية، بل هي تراث أمم مختلفة ونتاج لغات متعددة.
وقد لخص العلّامة الشيخ محمد الخضر حسين- رحمه الله- تأثير الإسلام في اللغة العربية- من هذه الجهة- بقوله:
«طلع الإسلام على العرب وفي هدايته من المعاني ما لم يكونوا يعلمون، بل في هدايته ما لم تف اللغة يومئذ بالدلالة عليه، فعبر عن هذه المعاني بألفاظ ازدادت بها اللغة نماء.


الصفحة التالية
Icon