واضعه وقائله الذي ألّفه على نحو خاص، ولو كان ما فيه من المعنى قد تواردت عليه الخواطر وتلقاه الآخر عن الأول.
فالحديث النبوي إذا خارج بقسميه من القيد الأول «وهو كون الكلام كلام الله» في هذا التعريف (١).
وكذلك الحديث القدسي إن قلنا إنه منزل بمعناه فقط. وهذا هو أظهر القولين فيه. لأنه لو كان منزّلا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني؛ إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله تعالى، فكان من لوازم ذلك المحافظة على نصوصه، وإجزاء قراءته في الصلاة، وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعا، وعدم جواز مسّه للمحدث. ولا قائل بذلك كله.
وأيضا فإن القرآن لما كان مقصودا منه مع العمل بمضمونه شيء آخر وهو التحدي بأسلوبه والتعبد بتلاوته، احتيج لإنزال لفظه- ولهذا فإن ترجمته لا تعتبر قرآنا- والحديث القدسي لم ينزل للتحدي ولا للتعبد، بل لمجرد العمل بما فيه، وهذه الفائدة تحصل بإنزال معناه، فالقول بإنزال لفظه قول بشيء لا داعي في النظر إليه، ولا دليل في الشرع عليه، اللهم إلا ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة «يقول الله تبارك وتعالى كذا» (٢).
لكن القرائن التي ذكرناها آنفا كافية في فسح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه، وهذا تأويل شائع في العربية فإنك تقول حينما تنثر بيتا من الشعر «يقول الشاعر كذا» وتقول حينما تفسر آية من كتاب الله بكلام من عندك: «يقول الله تعالى كذا» وعلى هذه القاعدة حكى الله تعالى عن موسى
(٢) المصدر السابق ص ١١.