شك، لأن عالم الحس كما يشمل المحسوسات الجزئية فإنه يشمل المحسوس العام الأعظم وهو العالم.. بل إن العقل «مضطر» إلى هذا الطلب... صعدا من طلبه علة لكل شيء جزئي محسوس (١).
يضاف إلى ذلك أن العقل الإنساني نفسه لا يقنع بكل ما جمعته البشرية من علوم وفنون ومتع بدنية وعقلية فيستغني بها عن طلب تفسير لهذا الكون، أو عن دوره هو فيه ومصيره من بعده؟! وسوف يبقى أمام هذا العقل في طرفي الوجود، وهما المبدأ والمصير، أو المصدر والغاية، شيء لا تفسره المعارف العلمية بوجه من الوجوه.
نعود من هذا إلى القول إن التسليم بعالم الغيب ليس خارجا عن نطاق العقل، بل إن العقل نفسه يدل على ساحة هذا العالم، كل ما في الأمر أنه يعجز عن اقتحامها أو معرفة كنهها بوسائل عالم الشهادة- العقل والحواس-. وهنا يأتي دور الوحي الذي يعرّف الإنسان بحقيقة هذا العالم، ويقفه على طبيعة الصفات الإلهية، ويرسم له طريق الحياة الأمثل... إلى غير ذلك من موضوعات الوحي.
فاعجب بعد ذلك لمن يقدم على إنكار عالم الغيب أو ماوراء الطبيعة بحجة عدم دخوله تحت سلطان الحسّ والمشاهدة!! وإذا تركنا الحديث عن الوعي بوجود الله تعالى- أساس الإيمان بعالم الغيب- وأن هذا الوعي يخالط كل نفس إنسانية،
إلخ، هل يصدق العقل أن هذه القوة قوة ذاتية عمياء! ألا يثير موضوع «الخلق» من عدم نظر الإنسان إلى التفكير والاعتبار، كما قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ انظر كتاب «نظام الإسلام» لأستاذنا محمد المبارك رحمه الله: الجزء الأول، ص ٤٥ فما بعدها.