بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثيت (١) حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زمّلوني زمّلوني، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ... إلى قوله: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. قال: فحمي الوحي وتتابع».
فكأن جابر بن عبد الله حدث بالحديث الأول قبل ما سمعه عن النبيّ ﷺ من نزول الملك عليه بسورة «اقرأ».
٣ - أما آخر ما نزل من القرآن، فهو قول الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ كما نقل ذلك عن ابن عباس. وفي رواية للبخاري عن ابن عباس أيضا أن آخر آية نزلت قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وعن سعيد بن المسيب «أنه بلغه أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدّين وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ- إلى قوله وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- وهي أطول آية في القرآن، وقال السيوطي- رحمه الله-: إن هذه الآراء الثلاثة يمكن الجمع بينها، لأن هذه الآية نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصاحف (٢) لأنها في قصة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر، وإن كان من الراجح أن آخر ما نزل بإطلاق هو قول تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
لأن بعض الروايات تنص على أن النبيّ ﷺ توفى بعد نزول هذه الآية بتسع ليال فقط (٣).
على أن الزركشي في البرهان عدد بضع روايات في آخر ما نزل، كما بلغ بها بعضهم إلى عشرة أقوال، ليس من بينها كلها آية سورة المائدة التي اشتهرت عند

(١) جثيت على وزن فرحت: ثقل جسمي عن القيام.
(٢) آية الدّين رقمها في سورة البقرة (٢٨٢)، وآية وَاتَّقُوا يَوْماً إلى قوله لا يُظْلَمُونَ) رقمها ٢٨١.
(٣) انظر البرهان للزركشي ١/ ٢٠٩ - ٢١٠.


الصفحة التالية
Icon