وقال الزمخشري في الكشاف: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت اقْرَأْ، وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب.
ورد ابن حجر على هذا القول مؤكدا أن ما ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول، وما نسب إلى أكثر المفسرين لم يقل به إلا عدد أقل من القليل.
ويلاحظ أيضا عدم التناقض بين هذا القول والأقوال السابقة، فهذا القول يؤكد أن سورة الفاتحة كانت من أوائل السور التي نزلت مع اقرأ والمدثر، ولم يكن أمر الوحي والقرآن في ذلك الحين واضحا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يأخذه العجب والخوف والهلع كلما جاءه جبريل، ولا يدري ماذا يفعل، وينبغي أن تحمل الروايات الواردة في هذا المجال على أساس تكامل الأحداث التي واكبت نزول القرآن في المرحلة الأولى، واصفة بدقة حالة الرسول ﷺ وهو يفاجئ بالوحي يلاحقه ويخاطبه وينزل عليه القرآن، والرسول وجف خائف يعيش هذه المرحلة ولا يستطيع أن يفسر ظاهرة الوحي التي كانت جديدة عليه.
القول الرابع: أول ما نزل من القرآن: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ واستدل من قال بهذا الرأي بما أخرجه الواحدي بإسناد عن عكرمة والحسن قالا:
أول ما نزل من القرآن: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وأول سورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: أول ما نزل جبريل على النبي ﷺ قال: يا محمد استعذ ثم قل: بسم الله الرحمن الرحيم.
وذكر الزركشي في البرهان (١): طريق الجمع بين الأقاويل أن أول ما نزل من الآيات: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وأول ما نزل من أوامر التبليغ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وأول ما نزل من السور «سورة الفاتحة»، وقيل: أول ما نزل للرسالة: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وللنبوة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وقال العلماء: «اقرأ باسم ربك» دال على نبوة محمد ﷺ لأن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف خاص، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ دليل على رسالته، لأنها عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف عام.