قال الزركشي في البرهان في بيان من جمع القرآن حفظا في عهده صلى الله عليه وسلم:
«حفظه في حياته جماعة من الصحابة، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة أقلهم بالغون حد التواتر» (١).
المعنى الثاني: الجمع بمعنى الكتابة:

إذا أطلقت كلمة جمع القرآن أريد بها كتابة القرآن في مصحف، وهي التي قام بها أبو بكر الصديق في عهد خلافته، ثم أتمها عثمان بن عفان واعتمد الجمع الذي تم في عهد أبي بكر على كتاب الوحي الذين كانوا يكتبون الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونستطيع أن نحدد مراحل الكتابة القرآنية بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الكتابة في عصر النبوة:
أراد النبي ﷺ أن يوثق ما نزل عليه من القرآن بكتابته، بالإضافة إلى حفظه في الصدور، واختار بعض الصحابة الذين يحسنون الكتابة لكي يكتبوا القرآن.
قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات، إحداها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله ﷺ نؤلف القرآن من الرقاع» (٢).
وقال الإمام الحارث بن أسد المحاسبي المتوفى سنة ٢٤٣ هـ في كتابه فهم السنن: كتابة القرآن ليست محدثة فإنه ﷺ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرّقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها القرآن منتشر، فجمعها جامع، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء».
فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف، وقد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم
(١) البرهان، ج ١، ص ٢٤١.
(٢) انظر الإتقان للسيوطي، ج ١، ص ١٦٤.


الصفحة التالية
Icon