الحقيقة الرابعة: لم يكن القرآن مجموعا في مصحف وفق ترتيب واحد، وكان كتاب الوحي يحتفظون بما كتبوه، بحيث يسهل على من أراد جمع القرآن أن يقوم بذلك، والسبب في عدم الجمع هو استمرار نزول الوحي حتى الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم، ولم تكن الحاجة ملحة لجمع القرآن، لوضوح نصوصه محفوظة في
الصدور، ولثبوت نصوصه مدونة في الرقاع لدى كتاب الوحي ولدى غيرهم ممن كان يحرص على كتابة القرآن.
الحقيقة الخامسة: لا مجال للشك في ثبوت النصوص القرآنية، وما قام به أبو بكر فيما بعد لا يتعدى حدود الجمع، وتوثيق ذلك الجمع والاطمئنان إلى سلامة النص القرآني، ومطابقة النصوص المكتوبة بما هو محفوظ في صدور القراء الذين اشتهروا بالحفظ والدقة.
المرحلة الثانية: الجمع في عهد أبي بكر:
بعد وفاة النبي ﷺ توقف الوحي، واستقرت نصوص القرآن، فلم يعد ينسخ منها شيء، ولا يضاف إليها جديد، وتولى أبو بكر الخلافة، واتجهت أنظار الصحابة إلى حفظ القرآن وجمعه في مصحف موحد، خشية أن يضيع منه شيء أو يضاف إليه ما ليس منه، إذا وقع التقاعس في جمعه في وقت مبكر، وبخاصة بعد معالم فتنة تبدو في الأفق، متمثلة في حركة الردة التي هزت المجتمع الإسلامي الوليد، وأيقظته على واقع جديد مليء بالتحديات والمواجهات.
وفي معركة اليمامة استشهد عدد كبير من حفظة القرآن، وصل عددهم إلى سبعين صحابيا، وبعضهم قال أكثر من ذلك، وخشي عمر بن الخطاب- وكان رجل دولة بعيد النظر واسع الرؤية قوي الحجة شجاعا في قراراته، غيورا على الإسلام- أن يضيع بعض القرآن أو يلتبس الأمر على المسلمين في شأن بعض آياته بعد موت الكثير من الحفاظ، فعرض الأمر على أبي بكر، وتردد الخليفة في قبول ذلك، خشية أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد تردد شرح الله صدره لذلك.


الصفحة التالية
Icon