العامل الرابع: تأكيد ما هو محفوظ في صدور الصحابة لما هو موضوع في الرقاع والعسب وقطع الأديم.
ولما اكتمل الجهد، وتكامل الجمع، قال أبو بكر: سموه أو التمسوا له اسما، روى ابن شهاب قال: لما جمعوا القرآن فكتبوه على الورق قال أبو بكر:
التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف (١).
واستقبل هذا المصحف الذي تم جمعه في عهد أبي بكر من الصحابة، بالتقدير والتنويه، اعترافا بعظمة هذا العمل، وتأكيدا على سلامة منهج الجمع الذي نال ثقة الصحابة، وحظي بموافقتهم، وأجمعوا على قبوله والإشادة به.
المرحلة الثالثة: الجمع في عهد عثمان:
في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وامتد سلطانها، وتباعدت أرجاؤها، واختلطت شعوبها، وتداخلت لغاتها، وتناثر ذلك الجمع المبارك من صحابة رسول الله ﷺ من حفاظ القرآن في تلك البقاع البعيدة، وأخذ كل إقليم يلتف حول رمز من رموز الإسلام من صحابة رسول الله ﷺ يتعلم منهم القرآن، ويسمع منهم ما حفظوه من السنة، وما اختزنوه في ذاكرتهم من أيام الإسلام الأولى في عصر النبوة.
وكان من الطبيعي أن تتعدد القراءات وتتباعد اللهجات، ويقع الاختلاف في ترتيب الآيات والسور وبخاصة في ظل مصاحف مكتوبة، احتفظ بها أصحابها، لا تختلف من حيث الآيات عن مصحف أبي بكر، لأن ذلك مما وقع الإجماع عليه.
ولم يكن من اليسير مراقبة تلك المصاحف الفردية، وتتبع ترتيبها، وضبط تلاوتها ورسمها، لتباعد الأمصار الإسلامية عن المدينة، وخشي بعض الصحابة أن تتسع دائرة الخلاف، ويقع الاختلاف في القرآن، وطلبوا من الخليفة وهو

(١) انظر الإتقان، ج ١، ص ١٤٧.


الصفحة التالية
Icon