والروايات التي نقلناها عن أئمة في العلم دالّة على وضوح مراحل الجمع، وسلامة تلك المراحل، وقبول الصحابة لذلك، وليس هناك ما يثير الشك والريبة في الجمع الأول والثاني، فالجمع الأول اعتمد على قرآن مكتوب في الرقاع والأكتاف والعسب، وأكد هذا الحارث المحاسبي «كتابة القرآن ليست محدثة» وأمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان»، وفسر السخاوي مهمة الشاهدين الذين اشترط أبو بكر على «زيد» ألا يقبل شيئا من القرآن إلا بعد شهادتهما بقوله:
المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله، والجمع الثاني كما أكدته الروايات المنقولة كان جمعا قصد به توحيد القراءات القرآنية، ومنع الاختلاف فيها، تأكيدا لوحدة لغة القرآن.
واختلف العلماء في عدد مصاحف عثمان، ونقل «الزركشي في البرهان» عن أبي عمرو الداني في المقنع قال:
«أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية واحدا، الكوفة والبصرة والشام، وترك واحدا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد: إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال:
والأول أصح وعليه الأئمة»
(١).
وكانت مصاحف عثمان مجردة من كل ما هو خارج عن القرآن، لئلا يختلط القرآن بغيره، ويدخل بعض التفسير فيه، وكانت المصاحف التي كتبها بعض الصحابة قبل ذلك تشتمل على بعض الكلمات التفسيرية الموضحة لبعض معاني القرآن، وكان يمكن لتلك الكلمات مع مرور الزمن أن يقع الالتباس فيها، ويظن بأنها من القرآن، ولذلك أمر عثمان بإحراق المصاحف الفردية التي كانت موجودة لدى البعض، لئلا يقع الاختلاف في القرآن، وبخاصة في ظل كتابة قرآنية خالية من النقط والشكل، ويمكن أن تقرأ الكلمات المتشابهة في الرسم بألفاظ عدة.
ولا شك أن إحراق المصاحف الفردية كان اجتهادا موفقا من خليفة المسلمين، ولقي ترحيبا من معظم الصحابة، لأنه أدى إلى توحيد المصحف،

(١) انظر البرهان، ج ١، ص ٢٤٠.


الصفحة التالية
Icon