وذهب الرماني في إعجاز القرآن، والباقلاني أيضا إلى عدم وجود سجع في القرآن، وفرقوا بين الفاصلة والسجع، فالفاصلة بلاغة والسجع عين، وذهب غيرهم إلى إثبات السجع في القرآن، لأن ذلك مما يتبين فيه فضل الكلام، وإنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالتجنيس والالتفات (١).
وهذا الخلاف بين من قال بإثبات السجع في القرآن، ونفيه عنه هو الرغبة في تنزيه القرآن عما لا يليق به من الأوصاف، فمن نفى السجع اعتبر أن السجع تكلف وتصنع، والقرآن لا تكلف فيه، ومن أثبت السجع في القرآن نظر إلى كلام فصحاء العرب، واعتبر أن بعض السجع فضيلة، وهو دليل فصاحة (٢).
وقال بعضهم: «وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلام العرب، وإنما لم يجئ على أسلوب واحد، لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف، ولما في الطبع من الملل عليه، ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل» (٣).
وهذا الخلاف- على ما يبدو- ظاهري، فهو يناقش الفواصل القرآنية، ثم يقف أمام التسمية متسائلا: هل هذا النسق في النظم القرآني يعتبر سجعا، أم أنه نوع جديد من أنواع البلاغة القرآنية، فمن أنكر إنما أنكر التسمية، فكلمة «السجع» كانت تستخدم في كلام الكهان، وهي تدل على تصنع وتكلف، والقرآن منزه عن ذلك، ولو قيل بإثبات السجع في القرآن لكان الأسلوب القرآني غير خارج عن أساليب العرب، وهذا ينافي الإعجاز القرآني، الذي يؤكد تميّز القرآن عن أساليب العرب، وفضلا عن هذا فإن السجع تحكمه أوزان ولا يمكن للسجع أن يخرج عن أوزانه المعتادة، وإلا اعتبر ذلك السجع خارجا عن نطاق السجع المستحب والممدوح.
(٢) نفس المصدر.
(٣) انظر البرهان، ج ١، ص ٦٠.