ومن أثبت السجع في القرآن، فإنه لم يعتبر أن السجع عيب في القرآن، وبخاصة إذا كان ذلك السجع خاليا من تكلف أو تصنع، ولا يمكن لسجع القرآن إلا أن يكون في أعلى درجات الفصاحة، والنهي مقتصر على سجع الكهان، لما يتصف به ذلك السجع من زيف وباطل.
ولذلك فإن الخلاف ظاهري، وهو خلاف مصطلح وتسمية، ولا يترتب عليه أي أثر، ولا شك أن أسلوب القرآن متميز، ولو وقع الالتزام بالمصطلحات القرآنية لكان أفضل، ولابتعدنا عن كثير من المزالق، فالفاصلة القرآنية ذات خصوصيات أسلوبية، وذات صيغ متعددة، وذات تعبيرات إعجازية قد تدلك بدرجات متفاوتة، فما يدركه البعض من مظاهر الإعجاز والجمال قد لا يدركه البعض الآخر.
ولا شك أن القرآن راعى المناسبة بين الفواصل، وهو أمر مألوف في اللغة، ومحمود في الأسلوب، ومؤثر في جمال العبارة، وقال شمس الدين بن الصائغ المعروف بابن أبي الفرس المتوفى سنة ٧٧٦ هـ، في كتابه «إحكام الرأي من أحكام الآي»: بأن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول، وتتبع ذلك في القرآن، وعثر على أكثر من أربعين حكما، نورد منها أمثلة (١):
١ - زيادة حرف كإلحاق الألف في قوله: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا.
٢ - حذف همزة أو حرف كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ.
٣ - تأخير ما أصله أن يقدم: كقوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى، وقوله: وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ فأخر الفاعل لأجل الفاصلة.
٤ - إفراد ما أصله أن يجمع، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ والأصل «الأنهار».

(١) انظر البرهان، ج ١، ص ٦ - ٧٠.


الصفحة التالية
Icon