الإمام أبو بكر النيسابوري، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة، وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة (١).
وقد ألف عدد من العلماء في علم المناسبة، منهم أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتابه البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن، وبرهان الدين البقاعي في كتابه: «نظم الدرر في تناسب الآي والسور» والسيوطي في كتابه: «تناسق الدرر في تناسب السور».
المناسبة مظهر من مظاهر الإعجاز:
والمناسبة تؤكد التوقيف بالنسبة لترتيب الآيات والسور، وهي مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني الذي يؤكد الترابط بين الآيات والحكمة في تسلسل المعاني، وإلحاق فكرة بأخرى، وربط حكم بآخر، مما يؤكد وجود نسق قرآني مترابط متلاحم يسعى بعضه في تأكيد البعض الآخر وتوضيحه، للوصول إلى معنى مقصود وحكمة مبتغاة، وغاية مرجوة... والمناسبة تؤكد الترابط والتكامل في الآيات والسور، ولا يمكن تصور انفكاك الآيات عن بعضها، لأن ذلك يخل بالنسق القرآني المعجز، وعجز البشر عن إدراك وجه المناسبة لا يعني انعدام الترابط، ولهذا تتفاوت قدرات المفسرين في تلمس المناسبة المؤدية إلى غاية، ويحتاج علم المناسبة إلى إشراقة روحية تعين المفسر على تلمس عظمة الترتيب القرآني، ومهما بلغ العقل في درجة إدراكه، فإنه يعجز أحيانا عن إدراك أوجه للتقارب والتجانس تحتاج إلى صفاء نفسي وروحي، يوقظ قدرات القلب على الفهم والإدراك.
وعلم المناسبة علم ذاتي لا يخضع لمعايير مادية، فما كان واضح التقارب والتماثل كما هو الشأن في النظائر والأضداد واقتران المسببات بالأسباب