طريقة للجمع بين الناسخ والمنسوخ، وبالرغم مما كتب في موضوع النسخ في القرآن، فإن الأمر يحتاج إلى تدقيق، فمعظم ما كتب في النسخ لا يدل على وجود النسخ فيه، ولا تصادم ولا تناقض فيما ورد من آيات ذات دلالات متباعدة، ولكل نص دلالته وحكمه وحكمته.
ولا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي، لأن النسخ رفع حكم شرعي بدليل، والحكم لا يتصور إلا في مجال الأمر والنهي، أما الأخبار فلا يتصور النسخ فيها، لانعدام الفائدة من نسخها، ما لم يتضمن الخبر حكما، وفي هذه الحالة ينسخ الحكم وليس الخبر، وبناء على هذه القاعدة لا يتصور وقوع النسخ في كثير من السور، التي جاءت مبينة لأركان العقيدة مدافعة عن فكرة الإيمان، مجادلة المشركين فيما أخذوا أنفسهم به من عبادة الأصنام، وهناك أكثر من أربعين سورة لم يقع فيها ناسخ أو منسوخ، ومعظمها السور القصيرة التي لا تتضمن أمرا أو نهيا، ووقع النسخ كثيرا في السور المدنية الطويلة، لأن هذه السور جاءت بالأمر والنهي (١).
وتوسع بعض العلماء في مفهوم النسخ، وتفاوتت آراؤهم حول عدد آيات النسخ في القرآن، وقام بعض العلماء المعاصرين الذين درسوا موضوع النسخ في القرآن الكريم بإحصاءات بيانية أوضحوا فيها ما قاله العلماء في آيات النسخ، فالمكثرون أدخلوا في الناسخ والمنسوخ ما ليس منه.
رأي السيوطي في المكثرين في النسخ:
أشار السيوطي إلى ظاهرة الإكثار من آيات النسخ، ووصف العلماء المكثرين من آيات النسخ بأنهم أدخلوا أقساما في النسخ ليست منه، وأهم هذه الأقسام (٢):
الأول: قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص، ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه، وذلك مثل قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وقالوا: إنه
(٢) انظر الإتقان، ج ٢، ص ٦٣ - ٦٤.