وتبرز خطورة رأي ابن خلدون فيما طرحه في جرأته على كتاب الوحي، وجمّاع القرآن من حيث عدم إجادتهم قواعد الإملاء، وعدم تمكنهم من الكتابة الصحيحة، وتأكيده على وجود أغلاط إملائية في الرسم القرآني، وهذا اتجاه خطير، ولا يمكن التسليم به، لأنه يتعلق بكتاب الله أولا، ولأنه لا يحترم خصوصية الرسم القرآني ثانيا (١).
ويختلف رأي ابن خلدون عن رأي الباقلاني من حيث تفسير ظاهرة الرسم القرآني، فالباقلاني اكتفى بالقول بعدم التوقيف في مجال الرسم، لعدم قيام الدليل على ذلك،
ولكن ابن خلدون اعتبر الرسم القرآني ناتجا عن جهل العرب بقواعد الإملاء بسبب انتشار البداوة التي تضعف الاهتمام بصناعة الكتابة، وهذا قول كبير وادعاء خطير.
وليس هناك أي دليل عليه، ولم يفرق ابن خلدون بين جودة الخط وأناقة الرسم وبين صحة الإملاء ومعرفة قواعد اللغة، وإذا صح أن جودة الخطوط تتعلق بالحضارة والعمران، فإن صحة الإملاء لا علاقة لها بالعمران، وربما أفسدت الحضارة الكثير من قواعد اللغة والإملاء، لأن الحضارة توجه الاهتمام إلى مظاهر الترف، وتبعد الفرد عن أصالته وتضعف لديه القدرة على التركيز.
ولا خلاف في أن الخط ليس بكمال في حق الصحابة وكتاب الوحي، ولا يتفاضل الصحابة بجودة الخطوط وحسن الرسوم، فذلك فن يحتاج إلى إعداد وتكوين وتعليم، إلا أن ذلك كله لا يمكن أن يكون حجة على ما يقوله ابن خلدون من وقوع أخطاء إملائية في الرسم القرآني، وذلك دليل قصور، وهذا أمر مرفوض بالنسبة لجماع القرآن (٢).
ولو توقف ابن خلدون عند حدود القول بأن الرسم القرآني أمر اجتهادي، ولا مجال للتوقيف فيه لكان الأمر مقبولا، وبخاصة وأن بعض العلماء ذهبوا إلى ذلك، واعتبروا أن القضايا التوقيفية تحتاج إلى دليل، وردّ الفريق الذي قال
(٢) انظر كتابنا الفكر الخلدوني من خلال المقدمة ص ٤٠٦.