وكانوا يكرهون تحلية المصاحف بالذهب، وروي عن أبي بن كعب قوله:
إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فعليكم الدثار، وروي عن أبي الدرداء قوله: إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فعليكم الدثار» (١).
وروى الأعمش قال: «مرّ على عبد الله بن مسعود بمصحف قد زين بالذهب فقال: إن أحسن ما زين به المصحف تلاوته في الحق» (٢)، وهناك روايات أخرى تؤكد جواز تحلية المصحف.
وكره بعض العلماء بيع المصاحف وشراءها، وروي عن علقمة وابن سيرين والأعمش والنخعي كراهة بيع المصاحف، وقال أبو العالية: وددت أن الذين يبيعون المصاحف، ضربوا، وأجاز ابن عباس شراء المصاحف وكره بيعها، وروى الأعمش عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: لا بأس إنما يأخذون أجور أيديهم (٣).
والأمر كما يبدو تحدده الظروف، فكل أمر مبالغ فيه من حيث التحلية فهو مكروه، والتجارة في المصاحف مكروهة، ما لم تكن النية في ذلك خدمة المصحف الشريف.
والواضح أن تعدد الروايات والأحكام في الأمر الواحد يشير إلى الرغبة في صيانة القرآن عن كل ما يسيء إليه، سواء كانت تلك الإساءة شكلية كالمبالغة في التحلية والتزيين، أو كانت مما يسيء إلى مكانة القرآن، والأصل في القرآن أنه لا يجوز أن يعتبر سلعة من السلع التجارية، لأن ذلك مما يفقده قداسته في النفوس، ويخضعه لما تخضع له السلع التجارية من أنواع الغش والتدليس، فإذا كان البيع والشراء لا يعبر عن هذه المعاني، فليس هناك ما يمنع من خدمة القرآن، عن طريق الطباعة والنشر، ومن يفعل ذلك بنية خدمة القرآن وتيسير أمر توزيعه، فهو مأجور ومثاب على فعله، ومثل هذه الأمور تحكمها مقاصد وغايات، فما يرفضه

(١) انظر كتاب المصاحف لابن أبي داود، ص ١٥٠.
(٢) انظر نفس المصدر، ص ١٥١.
(٣) انظر نفس المصدر، ص ١٧٥.


الصفحة التالية
Icon