وقال ابن مجاهد: «ينبغي ألا يشكل إلا ما يشكل» (١)، وقال النووي: نقط المصحف وشكله مستحب، لأنه صيانة له من اللحن والتحريف (٢).
وكان أبو الأسود الدؤلي معنيا بشئون اللغة، واشتهر أنه أول من وضع العربية، وأن الخليل بن أحمد أول من وضع العروض، ومن الطبيعي أن تتوجه الأنظار إليه، وأن يطالب بإعداد ما يضمن سلامة النص القرآني، ويقال بأن زياد ابن أبيه والي البصرة طالبه بأن يجعل للناس علامات يعرفون بها كتاب الله، فتثاقل أبو الأسود وتباطأ، ولعله تهيب الأمر، ولما سمع قارئا يقرأ قوله تعالى:
أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بجر اللام في «رسوله» قال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله، وذهب إلى زياد بعد أن أفزعه الأمر وقال له: «قد أجبتك إلى ما سألت» (٣) وعكف على إعداد نقط دالة على الحركات والسكون.
ولا شك أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من شرع في الأمر ببدايات بسيطة، إذ لا يعقل أن يقوم بهذا العمل شخص واحد، ولا يمكن أن يكتمل من خلال عمل في جيل واحد، فمثل هذه الأعمال الكبيرة، تبتدئ كفكرة، ثم يشرع فيها بخطوة، ثم تعقبها خطوات متعسرة خجولة تتعثر مرة وتتقدم أخرى إلى أن يستقر الأمر على الأفضل والأيسر مما لا مشقة فيه على الأمة.
وهناك رواية تقول: بأن أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر، ويقال: إنه قام بتنقيط مصحف ابن سيرين المتوفى سنة ١١٠ هـ، وكان يحيى بن يعمر من أهل البصرة، واتهم في عصر الحجاج بالتشيع ونفي إلى خراسان، وهناك اشتهرت مكانته وأصبح «قاضي مرو».
وتابع العمل من بعده نصر بن عاصم الليثي تلميذ أبي الأسود الدؤلي، وكان أحد قراء البصرة، وهناك من يقول: بأنه أول من نقط المصاحف، ولا يمكن الترجيح بين هذه
الأقوال والروايات، لصعوبة تحديد دور كل فرد في هذا العمل
(٢) نفس المصدر.
(٣) انظر مناهل العرفان للزرقاني، ج ١، ص ٤٠١.