وعرف الزركشي في البرهان المحكم بأنه ما أحكمته بالأمر والنهي وبيان الحلال والحرام، والمتشابه ما يشتبه اللفظ فيه في الظاهر مع اختلاف المعاني، ويقال للغامض متشابه، واختلفوا فيه، فقيل: هو المشتبه الذي يشبه بعضه بعضا، وقيل: هو المنسوخ غير المعمول به، وقيل: القصص والأمثال، وقيل: فواتح السور، وقيل: ما لا يدرى إلا بالتأويل (١) وهذه الأقوال بالرغم من تعددها فهي دالة على المراد، ومعبرة، وواضحة، فالمتشابه ما كان غامض الدلالة، محتاجا لتأويل، محتملا عدة أوجه، لا مجال للترجيح بينها بمجرد العقل، ولا بد فيها من دليل نقلي...
ونقل صاحب البرهان عن ابن حبيب النيسابوري تعدد الأقوال في هذه المسألة، من حيث كون القرآن محكما ومتشابها أو مشتملا على المحكم والمتشابه، فاعتبر البعض أن القرآن محكم، لقوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ والبعض قال: إنه متشابه، والصحيح أنه منه المحكم ومنه المتشابه، كما جاء في القرآن نفسه (٢)...
وذهب بعض علماء الكلام إلا أن القرآن يجب أن يكون معلوما وإلا بطلت فائدة الانتفاع به، ونقل الراغب الأصفهاني قولهم هذا، وناقش الزركشي كلام من قال: ما الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده البيان والهدى، فأجاب بأن الأمر لا يخلو من حالتين (٣):
الحالة الأولى: إن كان يمكن علمه فله فائدتان:
الفائدة الأولى: حث العلماء على النظر الموجب للعلم بغوامضه والبحث عن دقائق معانيه، فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب.
الفائدة الثاني: إظهار فضل العالم على الجاهل، ويستدعيه علمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله ليحصل له درجة الفضل...

(١) انظر البرهان، ج ٢، ص ٦٨ - ٦٩.
(٢) البرهان، ج ٢، ص ٦٨ - ٦٩.
(٣) البرهان، ج ٢، ص ٧٥.


الصفحة التالية
Icon