لأنا قد بينا بطلانه، بالنسبة إلى كل واحد، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج عن ذلك (١).
أقوال العلماء في وجوه الإعجاز:
اختلف العلماء في وجوه الإعجاز، ومنطلق الاختلاف أن كل فريق ذهب إلى تلمس الإعجاز في جانب من جوانب التميز والتفوق في القرآن، فمنهم من وجد الإعجاز في البلاغة والفصاحة، ومنهم من وجد الإعجاز في الإخبار عن أمور الغيب، مما لم يكن معروفا عند العرب، ومنهم من وجد الإعجاز في قصص الأولين، ومنهم من رأى في النظم والتأليف والتركيب والإحكام البياني مظهرا من مظاهر الإعجاز.
وهذا التعدد في الرأي دليل على الإعجاز، فالقرآن الذي وجد فيه اللغوي قمة في الإبداع، ووجد فيه البلاغي قمة في الفصاحة، ووجد فيه الفقيه تشريعا رائع الأحكام، ووجد فيه الفيلسوف رؤية شمولية للكون والحياة والإنسان، لا بد إلا أن يكون معجزا في كل شيء، فالإعجاز إعجاز تحد، وهو مطلق ولا يتوقف عند حدود اللغة والبيان والفصاحة والبلاغة..
وإعجاز القرآن إعجاز مطلق، فهو معجز بكل ما فيه، ومن الخطأ أن نتصور الإعجاز في جانب محدود، فالإعجاز الإلهي إعجاز متعدد الجوانب، لا يتوقف عند حدود الزمان أو المكان، وهو مستمر إلى يوم الدين، ويمتد الإعجاز لكي يشمل حفظ الله للقرآن، ولعل الحفظ هو الإعجاز الأكبر والأوضح والأكمل، ولولا حفظ الله للقرآن لما استطاع أن يظل على امتداد السنين وتكاثر الفتن فيها، واختلاف الرأي والاجتهاد وتعدد الطوائف موحد النص، واضح العبارة، متميزا في رسمه، يحتكم إليه في كل موقف، ويحتج فيه في كل حكم، ويجد الجميع فيه ما يبتغون من هداية وإرشاد، وما وقع من خلاف فيه من حيث الجمع والرسم والقراءة، لم يتجاوز حدود الخلاف اليسير الذي لم يثر أية ريبة في سلامة النص القرآني وقطعية آياته وسوره..