لا ينفصل عن معناه، ومعناه لا ينفصل عن الأسلوب وكل لفظة في القرآن معبرة ومحكمة ودالة، ولا يمكن أن تستبدل لفظة بلفظة أو مفردة بأخرى، تلك عظمة القرآن، وهذا هو إعجازه الحقيقي، فمن بحث في الإعجاز فقد بحث في جزئية صغيرة دالة على الإعجاز، فالبلاغة وحدها لا يمكن أن تكون وجه الإعجاز، والفصاحة وحدها لا يمكن أن تكون هي كل الإعجاز، والمعاني مستقلة لا يمكن أن تكون منفصلة عن أسلوب القرآن، فالإعجاز القرآني إعجاز متجدد متنوع واضح، يتمثل في عجز الإنسان عن الإتيان بمثل القرآن أو بمثل آية من آياته، فإذا أتى بآية تحاكي الأسلوب القرآني لفظا وبلاغة فإن من المستحيل أن تحاكيه وتماثله جمالا وتأثيرا ومعاني محكمة ومفردات دالة وألفاظ معبرة..
وبالرغم من كل ما كتب في الإعجاز القرآني من كتب وما ألّف فيه من مصنفات، وما ذكر فيه من وجوه، فإن الكلمات القليلة التي كان الصحابة والتابعون ينطقون بها في مجال القرآن من حيث عظمة هذه المعجزة وسمو هذا الكتاب كانت أكثر تعبيرا وأوضح دلالة وأبرز للإعجاز وأسمى من كل ما كتب وقيل، فالإعجاز القرآني هو إعجاز كتاب أنزله الله على رسوله، ولا يمكن أن يدرس إعجازه في إطار بلاغته ولغته ومفرداته، فذلك مما تأباه العامة بفطرتهم فكتاب الله معجز وكفى...
ولعل هذا ما دفع الجاحظ ومن عاش في زمانه أو من سبقه إلى ذكر إشارات واضحة إلى الإعجاز من غير خوض في أوجه الإعجاز كما أوردها علماء الإعجاز الذين أفردوا لهذا العلم مصنفات مستقلة.
وليس في هذا إدانة لمنهج علماء الإعجاز ولا يعني هذا التقليل من أهمية ما كتبوه وصنفوه، فلقد قاموا بجهد عظيم وخدموا هذا العلم خدمة كبرى، وإنما أود أن أشيد بمنهج الأولين السابقين من العلماء الذين أدركوا من أوجه الإعجاز الشمولي المتكامل ما لم يدركه اللاحقون، وكان فيما كتبوه وسجلوه أبلغ تعبير عن عظمة منهج الأولين في الفهم، وهو منهج يستوعب حقائق الإسلام، ويعطي لكل شيء حقه، ولا يترجم الظواهر العظيمة إلى معايير مادية تتمثل في صور