اجتمعوا على الإسلام، وأغشى أبصارهم في مواقف كثيرة، وحمى القرآن من العبث ووحد به كلمة العرب.
وكل قول إذا وقع تفسيره في إطاره الضيق أخل بفكرة الإعجاز وأساء لعظمة القرآن، فمن قال بالصرفة لا يختلف عمن قصر الإعجاز على الصور البلاغية والألفاظ اللغوية من حيث تضييق الخناق على مفاهيم واسعة وإطارات للتفكير ذات أبعاد شمولية، فما أضيق ما ذهب إليه اللغويون والبلاغيون من تفسير الإعجاز، وما أوهن هذا الإعجاز الذي لا يعجز عنه البشر، فالإعجاز أعم وأشمل وأسمى وأعلى من كل وجوه الإعجاز المذكورة في كتب الإعجاز.
ولقد تصدى جمهور العلماء للرد على «النظّام»، وأبانوا عن فساد رأيه وبطلان مذهبه، وهذا أمر لا خلاف فيه، فلا يمكن القول بانتفاء الخصوصية القرآنية الذاتية في الأسلوب والنظم واللغة والبلاغة، ولا يمكن القول أيضا باقتصار الإعجاز على الجوانب اللغوية، ومن رد على «النظّام» ومدرسته وجب عليه أن يرد على المدارس اللغوية أيضا، لأنها نظرت للإعجاز نظرة ضيقة، وسدت الأبواب أمام الظاهرة القرآنية المعجزة.
ولقد أنكر الخطابي فكرة الإعجاز بالصرفة، واعتبر أن الإعجاز لا بد إلا أن يكون في إطار الأمور الخارجة عن مجاري العادات فالتحدي لا يكون إلا فيما هو خارج عن القدرة الإنسانية، ولا بد إلا أن يكون في إطار النظم والأسلوب، بحيث جاء القرآن جامعا بين الفخامة والعذوبة، وهما ضدان، واجتماع الضدين في النظم القرآني فضيلة وبينة ومعجزة، وأشار إلى أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أحسن المعاني، من توحيد لله وتنزيه له وبيان لأحكام شرعه من تحليل وتحريم وحظر وإباحة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ودعوة إلى مكارم الأخلاق، والإتيان بكل ذلك والجمع بين مختلف الغايات أمر يعجز عنه البشر، ولا تبلغه قدرتهم، ولذلك زاغت أبصارهم واضطربت أفئدتهم فقالوا أنه سحر أو شعر، من حيث عجزهم عن الإتيان بمثله.