خامسا: استعمال الكناية والتعريض (١)، والكناية أبلغ من الصريح في بعض المواطن، وهي ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم، ويتم اللجوء إلى الكناية لأسباب عدة إما لأن التصريح مما يستقبح ذكره، كاستعمال الملامسة والمباشرة بمعنى الجماع، وكذلك الغشيان والرفث والحرث والمراودة، والغائط والإدبار، أو لقصد المبالغة كاستعمال البسط للدلالة على سعة الجود والكرم، أو لاختيار لفظ أجمل وأدق في التعبير، كالتكنية بالنعجة أو الفرس عن المرأة أو الزوجة، ولا بد في اختيار الكناية بدلا من التصريح من مبرر يقصده المتكلم ويريد الإشارة إليه للستر والمدح والذم والاختصار والتيسير والإيضاح، وهذا أسلوب ذكي في التعبير، ولا حدود للكناية، وما تحققه الكناية لا يحققه الصريح من الألفاظ، بل قد يؤدي الصريح إلى جرح المشاعر في بعض الأحيان والإسفاف في اللفظ والسقوط في أوحال الارتباك مما يحرج المتكلم والسامع.
واستعمل القرآن الألفاظ المرادفة للألفاظ الصريحة المعبرة واعتبر هذا من أنواع البديع وهو قريب الشبه بالكناية، وسمي بالإرداف كقوله تعالى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي: انتهى الأمر بهلاك من هلك ونجاة من نجا، ولا مجال بعد ذلك لحوار أو نقاش أو تغيير أو تبديل، والكلمة تدل على معنى الحكم الملزم الذي لا رجعة فيه، وفيه هيبة القرار وسمو الأمر..
واستعمل القرآن التعريض (٢) وهو ذكر شيء للدلالة على شيء آخر هو المراد بالكلام، ويختلف عن الكناية من حيث أن الكناية تذكر المراد بلفظ غير لفظه، قال تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وهنا تعريض بالفاعل وذم له، وإشارة إلى سوء ما فعل، وكأن الموءودة في موطن القضاء تحاكم من قتلها، وقال تعالى: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا، إشارة إلى عجز هذه الآلهة عن فعل أي شيء، وسخرية من عقول المؤمنين بها.
سادسا: الإيجاز والإطناب: وهو تأدية المعنى بلفظ أقل أو أكثر بحسب ما
(٢) انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي ج ١، ص ٢٨٦.