وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.
وتأتي العبرة.. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً ويأتي الهدي القرآني مقررا الحقيقة التي يجب أن يعيها البشر: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً [الكهف: ٣٢ - ٤٤].
إنه أروع تصوير، وأجمل تمثيل وأصدق تعبير عن الحياة في مظاهرها، وعن الإنسان في قصور نظره وعجزه وضعفه، وقليل ما هم أولئك الذين يدركون الحق فلا يخدعون أنفسهم، ولا تخدعهم الدنيا، موقفان لرجل.. الموقف الأول:
يمشي بخيلاء، في جنتيه أعناب ونخل وزرع، ونهر يتدفق ماء وينظر باستعلاء لصاحبه:
- أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا.
ويشير إلى جنته بيده قائلا: ما أظن أن تبيد هذه أبدا.
أما الموقف الثاني: جنة خاوية على عروشها، لا أعناب ولا نخل ولا زرع، ولا نهر ولا ثمر، ويقف صاحب الجنة حائرا دهشا يقلب كفيه لا يصدق ما يرى.
ويبحث عن ناصر ينصره، فلا يجد رجاله ولا ماله.
- يعود إلى حقيقته التي نسيها في لحظة غفلة.
- يا ليتني لم أشرك بربي أحدا.
وتسدل الستارة عن هذا المشهد الرائع المعبر.. وتظل الصورة في الأذهان ناطقة حية معبرة. وفي كل يوم يتجدد الحدث ويتجدد الحوار. وينسى الإنسان في لحظة الغفلة حكمة الحياة وعظمة الدرس.
ويتجدد المشهد على مسرح الحياة.
فرعون يقف شامخا بين قومه ينادي بأعلى صوته:
- يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (١).
ويشير بسخرية واستهزاء إلى موسى.
- أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ.

(١) سورة الزخرف، الآية: ٥١.


الصفحة التالية
Icon