فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب، وأحس موسى بالخوف والهلع، ولا يمكن للبشرية في لحظة الالتقاء بالحقيقة الإلهية ممثلة في مظهر الخروج عن القوانين الطبيعية إلا أن تخاف والخوف هنا أمر حتمي، فالإنسان يخاف من المعجزات ويخاف من الخوارق ويخاف من الغيب، ولهذا جاءت المعجزات في نطاق ضيق لكي يشعر الإنسان بالأمن والاطمئنان، وارتبطت المعجزة وهي العصا في الآية بقوله تعالى: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، لكي تكون المعجزة مؤكدة لكل ما سمعه موسى من نداء، ولولا المعجزة الحسية لكان النداء أقل أثرا في النفس، وهنا تأتي العناية الإلهية.. يتجدد النداء وفيها تأكيد على الأمن، يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ.
ولا بد من معجزة حسية تؤكد الإحساس بالأمن وتعمقه وتغذيه وتقويه وتدعمه، لكي يرتد إليه الشعور بالاطمئنان ولكي يزول عنه الخوف.. وهنا جاء الأمر الإلهي من جديد..
- اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
- وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ.
معجزة واضحة لموسى، لكي يطمئن.. يده يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء.. ثم تعود ثانية كما كانت.. هذا برهان من الله، وهي بداية التكليف..
وخاف موسى.. كيف يمكنه أن يواجه فرعون وملأه.. وارتفع صوته المتهدج الوجل المتهيب.
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ.
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ.
وجاء الجواب مطمئنا وواعدا وضامنا ومتعهدا.
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما


الصفحة التالية
Icon