وارتبط الدين منذ القديم بمفهومين: الأول: ارتباط الدين بالحضارة والثقافة، وهذا ما يؤكد أن المعابد القديمة كانت مراكز إشعاع ثقافي وعلمي، فالدين يدعو إلى العلم ويشجع التعليم، وكان رجال الدين هم علماء عصرهم، وكانت المعابد الأولى مدارس للتعليم، وحيث يكون الدين تكون الحضارة وحيث يكون الدين تكون الثقافة، وفي تاريخنا الإسلامي كانت المساجد هي المدارس الأولى، وكانت هي الجامعات الأولى في العالم الإسلامي، وأول تدوين منظم ومدقق كان تدوين القرآن، وأول علم من علوم العربية كان في إطار علوم القرآن.
الثاني: ارتباط الدين بحرية الإنسان وكرامته، ويؤكد هذا تاريخ الأديان، فالدين في أساسه وفي منطلقه هو تحرير للإنسان من العبودية والظلم، وتوعية له لكي يدرك إنسانيته، وكان الأنبياء هم رموز الحرية وهم أبطال الإنسانية، وكان جهادهم الأول هو الدفاع عن كرامة الإنسان، والقصص الواردة في القرآن تؤكد هذه المعاني، وتبين أن الأنبياء كانوا حلفاء المستضعفين في الأرض، يدافعون عن حريتهم ويوقظون في نفوسهم مشاعر الاعتزاز بالكرامة، ولهذا وقع الاصطدام عنيفا وقويا بين الأنبياء ورموز القوة والسلطة والجبروت، وفرعون في القرآن هو رمز للاستكبار، ورمز لادعاء الربوبية، ولهذا تصدى له موسى وتحداه، وكشف عن خداعه وظلمه وطغيانه.
والدين الحقيقي هو الدين الذي يسعى في إسعاد البشر، ينظم حياتهم، ويقيم العدل فيهم، ويقاوم رموز الظلم والطغيان، وينمي في الإنسان مشاعر إنسانية، فيكون أقرب لأخيه الإنسان، لا يظلمه ولا يغدر به ولا يقتله ولا يعتدي على حريته وكرامته وعرضه وماله، فإذا سكت الدين عن الظلم أو أقرّ به، فهذا ليس من الدين.
ويكفي الدين فخرا واعتزازا أنه كان باستمرار منارة هداية للمجتمع، يبني ولا يهدم، ويعلم ولا يدعو إلى جاهلية، وينير مسالك المؤمنين به، ويدعوهم إلى التمسك بالأخلاق وإلى محاربة كل أنواع الظلم والعدوان والفجور والانحراف،