كانت تعاليمهم مما كان شائعا ومكررا ومتداولا لما أحدثوا في مجتمعهم ذلك التأثير العظيم في العقيدة والسلوك والقيم.
ولا يملك الأنبياء في مجتمعهم ما يملكه الملوك وأرباب السلطة من وسائل الإقناع والإجبار والإكراه، أو من وسائل الإغراء والعطاء، ومعظم الأنبياء عاشوا في طفولتهم حياة فقر ويتم، وامتلأت صفحات سيرتهم بالأحزان والشدائد، ولا سبيل للاعتقاد بأن ما يملكون من شهرة ومكانة ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، ولا خيار لنا إلا أن ندرس هذه الظاهرة في إطارها العام دراسة موضوعية هادئة منصفة، وسوف نكتشف النبوة حقيقة ثابتة، لها دعائمها وخصائصها ومكوناتها، وهي ظاهرة طبيعية في الحياة الإنسانية، لا تستقيم الحياة إلا بها ولا تتكامل إنسانية الإنسان إلا بأن يستجيب لدعوة الله، ويقف بخشوع أمام الرسالة التي يحملها رسل الله إلى الناس.
إن نظرة يسيرة إلى تاريخ الأنبياء سوف تدلنا على عظمة دور الأنبياء في حياة الإنسان، وسوف نكتشف من خلال قصص الأنبياء أن منهج الأنبياء واحد، وتعاليمهم ليست متناقضة، قد تختلف في بعض الأحيان، ولكنها لا تختلف أبدا فيما يتعلق بمبادئ الإيمان بالله، والدعوة للفضائل، ومحاربة الكفر والفسوق والمظالم الاجتماعية.
ما أقسى حياة ذلك الإنسان الذي لا يؤمن بالله، وما أقسى الحياة بالنسبة له، إنها حياة قاحلة كصحراء يشتد فيها الظمأ، فلا ماء ولا ثمر ولا شجر، إنها حياة يأس وقنوط، وما أقسى مشاعر اليأس والقنوط.
والوحي الذي تنزل على سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم لا يختلف عن الوحي الذي تنزل على الأنبياء السابقين من حيث الظاهرة التي يمثلها الوحي، وإن اختلفت وسائل التبليغ وكيفياته، ولكل نبي وحيه الخاص به، وخصوصياته، ارتضاها الله لهم أسلوبا من أساليب التبليغ والتكليف.
قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى