معنى الإلهام، فالإلهام توجيه خفي لا يدرك مصدره، وفي هذه الآية توجيه رباني مقترن بأوامر وتعليمات، وفيه نهي عن الخوف وتبشير من الله بعودته إلى أمه وأنه سيكون من المرسلين، ولا بد أن أم موسى أدركت مصدر هذا الإلهام، وعرفت أنه من الله، ولهذا نفذت ما أمرت به واطمأنت، ولولا ذلك لما نفذت هذا الأمر الذي لا يمكن لأم أن تفعله، وكيف يمكن لأم أن تلقي وليدها في اليم لمجرد خاطر عابر لا تعرف مصدره، وهو أمر خارج عن نطاق الفطرة، فالفطرة تأبى أن تلقي الأم وليدها في اليم، وما فعلته أم موسى خارج عن نطاق الفطرة.
ثالثا: معنى الإشارة الظاهرة التي تعطي معنى الأمر، وذلك في قوله تعالى:
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١) والمعنى هنا واضح في أن كلمة الوحي تفيد معنى التوجيه والتعليم وليس مجرد الإشارة.
رابعا: معنى الوسوسة وذلك في قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ (٢). والمعنى هنا لغوي، وكلمة الوسوسة ليست دقيقة، فالشياطين يوسوسون حينا ويأمرون أولياءهم حينا آخر، ويزينون لهم فعل الشر، وجاءت في نفس المعنى في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (٣).
ومعظم ما جاءت كلمة الوحي في القرآن في معنى الوحي المنزل من عند الله وهي الكلمة القرآنية التي ترددت في القرآن في كل آية أراد الله بها بيان طريقة توجيه الأمر الإلهي لرسله وأنبيائه وتعليمهم.
وجاءت كلمة الوحي في أكثر من سبعين مرة في القرآن الكريم، بألفاظ مختلفة «أوحى»، «أوحيت»، «أوحينا»، «يوحي»، «نوحيه»، «نوحيها»، «ليوحون»، «أوحي»، «وحي»، «وحيه»، «وحينا»، ومعظم المعاني القرآنية معبرة عن الأمر الإلهي للرسل، وأكثر ما استعملت في القرآن كلمة «أوحينا» قال تعالى:
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٢١.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١١٢.