وصور الوحي كما حددها القرآن هي: أولا: الوحي المباشر، وهنا يبرز معنى الإلهام أو النفث في الروع وهو إلقاء المعنى الموحى به في القلب، والقلب في نظر القرآن هو مصدر المعرفة وهو موطن الفهم، ولهذا كثر استعمال القرآن للفظة القلب في موطن حديثه عن الفهم، والقلب هو الخصوصية الإنسانية وهو المخاطب بالأمر الإلهي، ويختلف الوحي المباشر عن الإلهام الغريزي أو الفطري، فالإلهام قد يكون نابعا من الذات، وقد يخطئ الإنسان فيه أو يصيب ولا يعرف مصدره، فقد يكون من وسوسة الشيطان، بخلاف الوحي المباشر فإنه أمر خارجي تتلقاه النفس البشرية، وتعرف جيدا مصدره، فلا يلتبس الأمر عليها، وهو خاص بالأنبياء، ولا يكون لغير الأنبياء، بخلاف الإلهام الفطري فقد يكون لغير الأنبياء، وقد يكون إلهام خير أو إلهام شر، ويختلف مصدره.
ثانيا: الكلام من وراء حجاب: وهذه الصورة وردت في القرآن في قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (١).
ثالثا: الوحي عن طريق رسول: والمراد بالرسول هنا جبريل، ويفسر هذه الكيفية قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٢).
وفسرت السنة النبوية كيفية الوحي بما رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه

(١) سورة القصص، الآيات: ٢٩ - ٣١.
(٢) سورة الشعراء، الآيتان: ١٩٣ - ١٩٤.


الصفحة التالية
Icon