لها والروع يطوقه ويحيط به: زمّلوني زمّلوني فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، وأخذ يحدث خديجة ويخبرها الخبر:
- يا خديجة.. لقد خشيت على نفسي...
قالت خديجة بلهجة المرأة الواثقة من زوجها المؤمنة بأن ما جاء به هو بداية رسالة، وأنه مقبل على عهد جديد لا عهد له به، ما كان يدري قبله ما الكتاب ولا الإيمان. «كلا... والله لا يخزيك الله أبدا.. إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق».
لم يكن محمد يتوقع هذا الأمر، ولا يعرفه ولا يدري عنه شيئا.. وأنّى له أن يعلم، ومكة لم تكن دار علم ولا ثقافة، وأهلها لا يعلمون إلا القليل عن تاريخ الأنبياء والرسل.
وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢).
ويقف محمد حائرا خائفا وجلا...
ويسمع من جديد ذلك الصوت الذي ما زال يسمعه: اقرأ باسم ربك الذي خلق، وينظر إلى خديجة وهي تقف إلى جانبه تشجعه وتقويه وتشد أزره، ما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب، وما كان يدري ما الكتاب والإيمان.
هل يمكن أن يكون ما رآه مجرد اختلاط وقع في وعيه، أو حلم نائم، وهل يمكن للأحلام أن تظل حية في الوجدان بعد أن يستيقظ النائمون، وهل يصح في نظر العقول أن يؤدي اختلاط العقول إلى حكمة تضاهي حكمة القرآن وإلى
(٢) سورة الشورى، الآية: ٥٢.