ضرا، لأن ذلك من اختصاص الخالق، والخالق هو الله، وما عداه فهو مخلوق، والمخلوق لا يملك لنفسه إلا ما أراده الخالق له قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ (١).
ويقف المشركون حيارى لا يدرون ماذا يقولون، هل محمد مجنون، أم هو ساحر أو شاعر، واضطربت نفوسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فالمجانين لا يتحدون العقلاء فيما تميز به أولئك العقلاء وتفاخروا به، وتحداهم القرآن، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٢). فلما عجزوا عن مواجهة التحدي نزل الوحي يؤكد عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٣).
وانتصر الوحي بإذن الله، وحفظ الله القرآن، وأعز الله المسلمين بالإسلام، ورفع مكانتهم، وأقام لهم دولة وحضارة، وامتدت دولة القرآن في أمصار الأرض رافعة أعلام الإسلام، محررة الشعوب من الظلم والاستعباد، مقررة حقوق الإنسان، منتصرة لقيم الفضيلة، متحدية كل طغيان واستكبار، داعية إلى عبادة الله وحده، مؤكدة أن دين الحق لا يتحالف مع أعداء الحق، ولا يستسلم أمام جبروت القوة، ويتحدى أعداء الله والإنسان في كل مكان، لكي تظل الأرض موطنا آمنا يجد فيها الإنسان مستقره.

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٨٨.
(٢) سورة هود، الآيتان: ١٣ - ١٤.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٨٨.


الصفحة التالية
Icon