وتتميز كتب المتأخرين بالاختصار والإيجاز، وعدم الإكثار من الأقوال المنقولة عن العلماء، واستيعاب ما قيل في الموضوع، وهذا منهج من الصعب تجاهل أهميته، وإنكار فوائده، فكثرة النقول، وبخاصة ما يبرز فيها التكرار، لا يضيف شيئا، وربما ينصرف الذهن عن المتابعة، ويعجز عن جمع شتات الأقوال الكثيرة.
وهذا لا ينفي أهمية ذكر هذه الآراء في مجال البحوث المتخصصة، حيث تتكامل الآراء وتتقارب، مكونة مدارس للتفكير ومناهج متميزة تساعد على معرفة تطور
الدراسات القرآنية.
ويجدر هنا أن نفرق بين المؤلفات المدرسية التي يراد بها تيسير الدراسات المتعلقة بعلوم القرآن، والإلمام بكل ما يتعلق بكتاب الله، من حيث مواطن نزوله وجمعه وكيفية قراءته ورسمه وقواعد وقفه وفواتح سوره وخواتمها وفواصله وآياته، أو من حيث إعجازه وأسلوبه وفصاحته وبلاغته، وما جاء منه محكما أو متشابها، والمؤلفات العلمية التي تحرص على دراسة جوانب دقيقة من تاريخ القرآن أو علومه، وما يصح في المؤلفات التي أعدت للتدريس لا يصح في مجال البحث العلمي، ولا يقبل، ولا يعتبر كافيا.
ولا نستطيع أن ننكر أهمية الدراسات والبحوث التي أعدت في العصر الحديث، في مجال الدراسات القرآنية، وهي تؤكد أن عصرنا هذا هو بداية عصر جديد في مجال الدراسات الإسلامية، وبالرغم من قلة البحوث الأصيلة، فإن كل المؤشرات تؤكد على أن هذا الجيل مؤهل لتحمل المسئولية، عازم على متابعة طريق البحث للوصول للمعرفة.
ومعظم الدراسات المتعلقة بتاريخ القرآن يراد بها تعليم الأجيال اللاحقة تاريخ قرآنهم، وإعلامهم بعظمة الجهود التي بذلها علماء السلف في خدمة القرآن، لتوثيق نصوصه وضبط قراءاته، ولا مجال للاجتهاد في هذا الأمر، فتاريخ القرآن لا بد فيه من صحة الروايات، ولا يتصور أن يقع الاجتهاد في أمر يتعلق بجمع القرآن أو بسبب نزوله، وغاية ما يمكن أن يفيده البحث هو ترجيح رواية على أخرى، والترجيح لا بد فيه من دليل.


الصفحة التالية
Icon